ارتقاء الحياة
40524903
40524903
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
الوعي<br />
ويغسلون تجويف الجمجمة بملعقة طويلة ويسحبون ناتج الغسل ويتخلصون منه.<br />
وهذا يُظهر أنهم لم يكونوا على يقني بوظائف املخ وفوائده، فافترضوا أنه لن يفيد في<br />
العالم الآخر. وحتى في يومنا هذا، يمكننا تبني ُّ مدى عجز العقل عن اكتشاف نفسه أثناء<br />
جراحات املخ. فاملخ بالرغم من إحساسه بكَم ٍّ كبري مما يحدث في العالم لا تُوجَد به<br />
مستقبلات للألم في حَد ِّ ذاته؛ ومن ثم فهو غري حس َّ اس للألم كليةً. ولهذا السبب يمكن<br />
إجراء جراحات املخ دون تخدير عام.<br />
فلماذا لا يكتشف العقل آليات عمله املادية بذاته؟ من الواضح أنه من غري امللائم،<br />
بل من الخطر، أن يشغل كائنٌ ما عقلَه في التأمل والتفكر في هذا بينما يجب عليه بالفعل<br />
أن يركز كل قدرته املخية على اكتشاف خطرٍ ما، مثل نمر يختبئ بني الشجريات، وتقرير<br />
ما سيفعله إزاء ذلك على وجه السرعة. وهذا الفحص النفسي الذاتي في اللحظات غري<br />
املناسبة ليس بالخاصية التي يمكن أن تتغاضى عنها عملية الانتقاء الطبيعي الصارمة.<br />
ومع ذلك، فإن الناتج هو أن إدراكاتنا ومشاعرنا شفافة، وأنها موجودة هكذا دون<br />
إدراك أي شيء عن أساسها العصبي الفيزيائي. ولأننا بالضرورة غري مدركني للأساس<br />
الفيزيائي لإدراكاتنا ومشاعرنا، فإن عقولنا الواعية يكون لديها إحساس قوي باللامادية<br />
والروحانية. وقد يكون هذا الاستنتاج مزعجًا لبعض الناس، ولكنه يبدو أمرًا لا مفر منه؛<br />
إذ ينشأ إحساسنا بالروحانية من الحقيقة القائلة إن الوعي يعمل على أساس ما تحتاج<br />
لأن تَعْرِفه فحسب. فنحن معزولون عن أمخاخنا من أجل أن نبقى أحياء.<br />
وينطبق هذا تقريبًا على سمو املشاعر عن الوصف. فكما قلتُ من قبل: إذا كانت<br />
املشاعر تتبع — كنتيجة لا بد منها — أنماطًا من الإطلاق العصبي للنبضات، بشفرة<br />
محددة جدٍّا، فإن املشاعر تُعَد ُّ بمنزلة لغة غري لفظية معقدة تمامًا. وللغات اللفظية<br />
جذورها العميقة في هذه اللغة غري اللفظية، ولكنها لا يمكن أن تكون نفس الشيء.<br />
فإذا كان ثمة شعور يستثريه نمط عصبي معني، فإن الكلمة التي تصف هذا الشعور<br />
يستثريها نمط عصبي مختلف؛ فهي تُترجَم من شفرة لأخرى ومن لغة لأخرى. ولا<br />
تستطيع الكلمات أن تصف املشاعر إلا من خلال النقل والترجمة؛ مما يجعل املشاعر<br />
تَفُوق الوصف. إلا أن جميع لغات البشر تتعل َّق بمشاعر مشتركة. فاللون الأحمر مثلاً<br />
لا يُوجَد حقيقةً، ولكنه بناء عصبي لا يمكن أن يُنقَل لشخص ما لم يكن هذا الشخص<br />
قد أدرك شيئًا مماثلاً له من قبل. وباملثل، فإن الشعور بالألم أو الجوع، أو شم رائحة<br />
القهوة … إلخ، كلها أحاسيس ترتبط بها كلمات وتجعل التواصل اللفظي ممكنًا. وكما<br />
305