Attention! Your ePaper is waiting for publication!
By publishing your document, the content will be optimally indexed by Google via AI and sorted into the right category for over 500 million ePaper readers on YUMPU.
This will ensure high visibility and many readers!
أصل <strong>الحياة</strong> للأعماق وأصابعُها هذا املسم َّى ملائمًا على نحو عجيب. لم يكن حقل الفوهات يبدو مثل أي شيء جرى اكتشافه من قبل. بعض الفوهات كانت في نفس ارتفاع املداخن السوداء، وأكبرها حجمًا — التي تحمل اسم بوسايدون — وصل ارتفاعها إلى ستني مترًا. بَيْدَ أ َّن هذه الفوهات لم تكن بالبنى القوية الراسخة، بل كانت هذه الأصابع الهشة مزخرفة كالعمارة القوطية، ومليئة ب «الرسوم املفرغة» حسب كلمات جون جوليوس نوريتش. هنا، كانت انبعاثات الفوهات الحرمائية عديمة اللون، معطيةً الانطباع بأن املدينة هُ جرت على نحو مفاجئ، وحُفظت طوال كل هذا الوقت ببهائها القوطي املعقد. لا وجود ملداخن سوداء قبيحة، بل فوهات بيضاء هشة، تشري هياكلها املتحجرة نحو السماء (انظر الشكل 2-1). قد تكون هذه الانبعاثاتُ غريَ مرئية، بَيْدَ أنها حقيقة لا مراء فيها، وهي قادرة على استضافة مدينة حية. لا تتألف هذه الفوهات من أملاح الحديد-الكبريت املعدنية (نادرًا ما يذوب الحديد في مياه املحيط الغنية بالأكسجني، وتنبؤات راسل متصلة بحقب زمنية شديدة القِ دَم)، لكن لا تزال بنيتها مسامية، متاهة من الحجريات املجهرية ذات جدران من الأراجونيت الهش (انظر الشكل 3-1). ومن العجيب أن البنى القديمة التي صمتت ولم تَعُدْ تَفُور بالسوائل الحرمائية أكثر صلابة بمراحل؛ إذ تمتلئ مسامها بالكالسيت. على النقيض، تعج الفوهات الحية ب<strong>الحياة</strong>؛ إذ تمتلئ مسامها بالنشاط البكتريي الصاخب الذي يتجلى َّ فيه عدم التوازن الكيميائي في أوضح صُ وَره. تُوجَد هناك أيضً ا حيوانات، تُماثِل في تنو ُّعها تلك املوجودةَ حول املداخن السوداء، وإن كانت تَقِ ل ُّ عنها كثريًا من حيث الحجم. يبدو أن سبب ذلك يتعلق بالبيئة؛ فبكترييا الكبريت التي تعيش في املداخن السوداء تتكيف بسرعة مع <strong>الحياة</strong> داخل عوائلها من الحيوانات، بينما البكترييا (أو تحديدًا العتائق) التي عُثِرَ عليها في املدينة املفقودة لا تدخل في مثل هذا النوع من الشراكة. 5 وفي ظل انعدام «املزارع» الداخلية، تنمو حيوانات الفوهات بشكل أقل كفاءة. <strong>الحياة</strong> في املدينة املفقودة مبنية على تفاعل الهيدروجني مع ثاني أكسيد الكربون، الذي هو في الحقيقة أساس <strong>الحياة</strong> كلها على كوكبنا. ففي املدينة املفقودة، وعلى نحوٍ غري معتاد، يتم التفاعل على نحو مباشر، بينما في كل الحالات الأخرى يتم على نحو غري مباشر؛ فالهيدروجني الخام، املنبعث من الأرض على صورة غاز، هدية نادرة الوجود على كوكبنا، وعادة ما تكون <strong>الحياة</strong> مجبرة على البحث عن إمدادات خفية من ذرات هذا الغاز تكون مرتبطة في روابط جزيئية مُحكَمة بذرات أخرى؛ مثل املاء أو كبريتيد الهيدروجني. 39
<strong>ارتقاء</strong> <strong>الحياة</strong> شكل 2-1: فوهة قلوية نشطة ارتفاعها ٣٠ مترًا، تُعرَف باسم «نيتشر تاور»، موجودة في حقل «املدينة املفقودة»، وتنبجس من القاعدة الصخرية السربنتينية. املناطق النشطة تظهر بالأبيض الساطع. العلامة تساوي ارتفاعًا قَدْرُه متر واحد. ونزع الهيدروجني من مثل هذه الجزيئات وربطه بثاني أكسيد الكربون يستهلك طاقة، طاقة تأتي في النهاية من الشمس على صورة بناءٍ ضوئي ٍّ ، أو من خلل التوازن الكيميائي في عالم الفوهات. فقط في حالة غاز الهيدروجني نفسه يحدث التفاعل على نحوٍ تلقائي ٍّ ، وإن كان بطيئًا للغاية. لكن من املنظور الديناميكي الحراري، هذا التفاعل بمنزلة غذاء مجاني يُدفَع لك مقابل تناوله (حسب تعبري إيفريت شوك البارز). بعبارة أخرى، يُول ِّد التفاعلُ جزيئاتٍ عضويةً على نحوٍ غري مباشر، ويُطلِق على الفور كميةً غنيةً من الطاقة يمكن استخدامها، نظريٍّا، في دعم التفاعلات العضوية الأخرى. 40