ارتقاء الحياة
40524903
40524903
You also want an ePaper? Increase the reach of your titles
YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.
<strong>ارتقاء</strong> <strong>الحياة</strong><br />
شارل براون سيكوار حقن نفسه بخلاصات من خصي الكلاب والخنازير الغينية، وزعم<br />
أنه بات يشعر بتحسن في نشاطه وقدرته العقلية، متقد ِّمًا بزعمه هذا إلى الجمعية<br />
البيولوجية في باريس عام ١٨٨٩، بل إنه استعرض متفاخرًا تي َّار بَوْله املتدف ِّق في شكل<br />
قوس أمام عدد من أعضاء الجمعية املذهولني مما يرونه. وفي نهاية ذلك العام كان<br />
١٢ ألف طبيب يُقَد ِّمون ملرضاهم هذا السائل الذي استعمله براون سيكوار ولم يلبث<br />
الجراحون في أصقاع الأرض أن بدءوا يزرعون في مرضاهم شرائح من الخصي املأخوذة<br />
من املاعز والقرود، بل واملساجني. ولعل أشهر أولئك الدجالني الأمريكيني على الإطلاق<br />
كان املدعو جون آر برينكلي؛ إذ صنع ثروة طائلة من زرع أجزاء من غدد املاعز في<br />
املرضى، قبل أن يموت رجلاً محطمًا، ضحيةً لألف من الدعاوي القضائية التي رُفِعَتْ<br />
ضده. ويبدو من املشكوك فيه أن تكون البشرية قد أضافت يومًا واحدًا ملا قُد ِّرَ لها من<br />
أعمار في هذه الدنيا، بالرغم من كل تلك املحاولات الإبداعية املتفاخرة.<br />
إذن، هناك فجوة غريبة بني مرونة التطور — أي السهولة التي يبدو أن الأعمار<br />
تتشك َّل بها — وبني الجمود الصريح الذي يكتنف جهودنا حتى اليوم. فكيف يطيل<br />
التطور الأعمار بهذه السهولة؟ من الواضح مم َّا مَر َّ بنا من آلاف السنني من الفشل<br />
الذريع أننا لن نُحق ِّق أي نجاح في هذا املضمار ما لم نفهم الأسباب الأكثر عمقًا للموت.<br />
من الظاهر، يبدو املوت «اختراعًا» محري ِّ ًا؛ إذ يعمل الانتقاء الطبيعي بصورة طبيعية على<br />
مستوى الكائنات املفردة، ومن الصعب أن أدرك فائدة املوت لي بوصفي فردًا، أو ما<br />
يجنيه سمك الساملون الباسيفيكي من تمز ُّقه إلى أشلاء، أو ما تستفيده عناكب الأرملة<br />
السوداء من التهام بعضها بعضً ا. ولكن من الواضح بنفس القَدْر أن املوت ليس أمرًا<br />
عرضيٍّا، ولا شك أنه تطو َّرَ ملنفعة الأفراد (أو ملنفعة جيناتهم الأنانية، على حد ِّ قول<br />
ريتشارد دوكينز الذي لا يُنسى) وذلك بعد بزوغ فجر <strong>الحياة</strong> نفسها مباشرةً. لذا، إذا<br />
أردنا أن نُحس ِّ ن نهايتنا، وأن نتجن َّب آلام تيثونوس، فحري ٌّ بنا أن نعود إلى البداية.<br />
تخي َّلْ أنك عُدْتَ بآلة الزمن ٣ مليارات سنة إلى الوراء في منطقة من املياه الساحلية<br />
الضحلة. أول ما ستلاحظه عندئذٍ هو أن السماء ليست زرقاء اللون، بل حمراء ضبابية<br />
غائمة، بما يذكرنا إلى حد ٍّ ما بكوكب املريخ. تعكس البحار الساكنة درجات من اللون<br />
الأحمر. والجو دافئ باعتدال في هذه الغيوم، وإن كانت الضبابية الزائدة تمنع رؤية<br />
الشمس بوضوح. لا يُوجَد على اليابسة شيء يجذب العني. فالصخور عارية، مع رقع رطبة<br />
312