ارتقاء الحياة
40524903
40524903
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
الوعي<br />
وتتعرق اليدان، وتتسع العينان، وتتسع حدقتا العينني، ويلتوي الفم … إلخ. وهذا سلوك<br />
لاإرادي، يتجاوز حدود سيطرتنا إلى حد بعيد، بل ويتجاوز قدرتنا على التخي ُّل، على<br />
الأقل بالنسبة للذين يعيشون أسلوب حياة مدنية وادعة. وبالنسبة لي شخصيٍّا، فعلى<br />
مدار جميع سنوات حياتي، لم يحدث لي سوى مرتني أو ثلاث مرات أن سيطر علي َّ<br />
شعور «حيواني» حقيقي بالرعب، وأقصد بهذا الاستجابة الانفعالية التي قبضت أمعائي<br />
وسب َّبَتْ لي بشدتها صدمة في داخلي. فلقد شممت رائحة خوفي مرة واحدة فقط لن<br />
أنساها، وسب َّبَتْ لي اضطرابًا وارتباكًا. ويقول داماسيو إن جميع الانفعالات، حتى الأكثر<br />
تدرجًا منها تكون بدنية؛ موضعها الجسم. ولكن الجسم ليس بمعزل عن العقل؛ فهذا<br />
مرتبط بذاك. وكل هذه الحالات الجسمانية تتصل باملخ عن طريق الأعصاب والهرمونات،<br />
وتُرسَ م في املخ خريطة للتغري ُّ في الحالة الجسمانية، جزءًا جزءًا، وعضوًا عضوًا، وجهازًا<br />
جهازًا. ويحدث أغلب هذا الرسم في الأجزاء الأكثر قِ دَمًا في املخ، بما فيها جذع املخ والدماغ<br />
الأوسط اللذان تقع فيهما املراكز الحيوية الخطرية في مخاخ جميع الفقاريات. وهذه<br />
الخرائط العقلية تكو ِّن املشاعر والأحاسيس، التي تُعتبرَ الانطباعات التصويرية العصبية<br />
للانفعالات الجسمانية. وأما عن كيف تؤدي تلك الانطباعات العصبية (وهي بالأساس<br />
معلومات) إلى إحساس شخصي بشعور ما، فهي نقطة نقاش سنعود إليها قريبًا.<br />
ولكن حتى املشاعر ليست كافية لداماسيو؛ إذ يقول إننا لا نكون واعني إلى أن نبدأ<br />
في الشعور بمشاعرنا، حتى نعرف ماهية الشعور. وهذا يعني املزيد من الخرائط في املخ<br />
بالطبع. ومن ثم تُعتبرَ الخرائط العصبية الأولية تضع تخطيطات لكافة جوانب أجهزتنا<br />
الجسمانية، وتشمل النشاط العضلي، وحموضة املعدة، وسكريات الدم، وسرعة التنفس،<br />
وحركات العينني، والنبض، وامتلاء املثانة … إلخ. ويحدث هذا التخطيط ويتكرر سريعًا<br />
لحظة بلحظة. ويرى داماسيو إحساسنا بذاتنا باعتباره ناشئًا عن جميع هذه التقارير<br />
الجسمانية، بادئًا في صورة ذات أولية لا واعية، وبالأساس في شكل عملية قراءة قوية<br />
للحالة الجسمانية. وينبع الوعي الحقيقي للذات من الطريقة التي يتم بمقتضاها تعديل<br />
هذه الخرائط فيما يتعلق بأجسام أو أشياء مادية تُوجَد في العالم الخارجي، أشياء مثل<br />
ابنك أو امرأة معينة، أو جَرف يثري الدوار، أو رائحة القهوة، أو مفتش التذاكر …<br />
إلخ. كل هذه الأشياء املحسوسة يتم استقبالها مباشرةً من قبل الحواس، ولكنها تول ِّد<br />
أيضً ا استجابة انفعالية في الجسم، وهذه تلتقطها خرائط الجسم العصبية في املخ لتوليد<br />
شعور ما. وهكذا، فإن الوعي هو معرفة كيف تعدل الأشياء املوجودة في العالم الذات؛<br />
293