ارتقاء الحياة

الدم الحار
تخي َّلْ‏ أنك تأكل النباتات فقط،‏ التي يقل فيها النيتروجني.‏ فكيف يمكنك أن تحصل
على كفايتك من النيتروجني من غذائك؟ حسنًا؛ يمكن أن تُجر ِّب أكل تنو ُّع أكبر من
النباتات،‏ وأن تأكل البذور … إلخ،‏ ولكن حتى في هذه الحالة من املرج َّح أن تعاني نقصً‏ ا
ملحوظًا،‏ أو يمكنك ببساطة أن تأكل كميات أكبر.‏ وإذا كنت تحصل مثلاً‏ على خُ‏ مس
احتياجاتك اليومية فقط من النيتروجني بأن تأكل دلوًا من أوراق النبات،‏ فأنت بحاجة لأن
تأكل خمسة دلاء لكي تحصل على احتياجاتك كلها.‏ ولو أمكنك فِ‏ عْلُ‏ هذا فسوف يدخل
جسمَك فائضٌ‏ ضخمٌ‏ من الكربون الذي تزداد نسبته كثريًا في املواد النباتية،‏ وسيتع َّني
عليك أن تَجِ‏ د وسيلةً‏ ما للتخل ُّص منه،‏ فكيف؟ بأن تحرقه وحسب،‏ على حد ِّ قول كلاسني
ونوليت.‏ إن الغذاء النباتي الصر ِّ ‏ْف ملائمٌ‏ للحيوانات ذوات الدم الحار؛ إذ إننا نحرق ملء
دلاء من الكربون طوال الوقت،‏ ولكنه يمكن دائمًا أن يُسب ِّب الضرر للحيوانات ذوات
الدم البارد.‏ وفي هذا السياق،‏ قد يكون من املفيد أن نُعِ‏ يد الن َّظَر إلى الليستروصورات؛
التي كانت من العواشب،‏ والسينودونتات؛ التي كانت خليطًا من العواشب واللواحم.‏ فهل
يمكن أن تكون خاصية الدم الحار قد نشأت في السينودونتات بسبب ما كان لديها من
قدرة هوائية عالية — وهو شرط ضروري للبقاء في تلك الأزمنة الصعبة — مقترنة بغذاءٍ‏
غني ٍّ بالنباتات.‏ فحينما نشأت خاصية الدم الحار في تلك العواشب املبكرة ربما استفادت
بسهولة من الطاقة الزائدة حتى تتعافى سريعًا،‏ ولكي تجول قاطعة أميالاً‏ في أراضي
العصر الترياسي القاحلة بحثًا عن الطعام أو هربًا من املفترسات.‏ ولعل تلك املفترسات
كانت احتياجاتها الغذائية أقل َّ بالنسبة للدم الحار،‏ ولكن كان يتعني َّ عليها أن تتنافس
مع تلك العواشب سريعة الحركة.‏ وربما احتاجت ميزة الدم الحار لكي تجاري سرعة
هروب فرائسها العاشبة.‏
ولكن ماذا عن الديناصورات الهائلة،‏ وهي أشهر العواشب في التاريخ؟ هل اتبعتَ‏
استراتيجية بديلة لتحصل على نفس النتائج؟ إنك إن أكلتَ‏ خمسة دلاء من أوراق
النبات،‏ ولم تحرقها فورًا وباستمرار،‏ يمكنك ببساطة أن تختزنها بجسمك،‏ وأن يزداد
حجمك،‏ فتصري عملاقًا.‏ والعمالقة لا يقتصر بهم الأمر على وجود قدرة أو سعة تخزينية
زائدة لديهم،‏ بل إنهم دائمًا ما تكون لديهم سرعة أيض أبطأ كذلك،‏ تتوازن مع التقل ُّب
الأبطأ للبروتينات والدي إن إيه؛ مما يُقل ِّل من الاحتياج الغذائي للنيتروجني.‏ وهكذا،‏
هناك طريقتان معقولتان ملجابهة مشكلة الغذاء الغني بالنباتات،‏ وهما:‏ أن يكون حجم
الحيوان أكبر مقترنًا بأيض أبطأ،‏ أو أن يكون حجمه أصغر مقترنًا بأيض أسرع.‏ ومن
275