ارتقاء الحياة
40524903
40524903
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
<strong>ارتقاء</strong> <strong>الحياة</strong><br />
الظهر والأنسجة الليفية من جميع الأنواع؛ فكأنه بمنزلة «الشريط الرابط والغراء»<br />
بالنسبة لعالم الحيوان بأكمله. ويتكو َّن الكولاجني من وحدات بنائية غري عادية، وهي<br />
تحتاج إلى أكسجني حر لتكون روابط متقاطعة بني الألياف البروتينية املتجاورة؛ مما<br />
يعطي البنية ككل ٍّ قوةً توترية عالية. والاحتياج إلى الأكسجني الحر يعني أن الحيوانات<br />
الكبرية، التي تحميها أغلفة صلبة أو هياكل قوية لم يكن بإمكانها أن تنشأ وتتطور<br />
إلا حينما كانت مستويات الأكسجني الهوائي عالية بدرجة تكفي لدعم إنتاج الكولاجني،<br />
وهو عامل ربما أد َّى إلى الظهور السريع املباغت للحيوانات الكبرية في سجل الحفريات في<br />
بداية العصر الكمبري، الذي يرجع إلى حوالي ٥٥٠ مليون سنة خلَتْ ، بعد ارتفاع نسبة<br />
الأكسجني في الغلاف الجوي للأرض بوقت قصري.<br />
قد لا تبدو الحاجة للأكسجني لصنع الكولاجني أكثر من مجرد حادثة عَرَضية، فإن<br />
لم يكن الكولاجني فلماذا لم يكن شيء آخر لا يحتاج إلى أكسجني حر؟ فهل الأكسجني<br />
ضروري لإكساب القوة أم أنه مجرد مكو ِّن عشوائي تصادَفَ دخوله في تلك العملية ثم<br />
بقي للأبد جزءًا منها؟ لا نعرف على وجه التحقيق، ولكن من املدهش أن النباتات الراقية<br />
أيضً ا تحتاج إلى الأكسجني الحر لتتكون مادتها البنائية الداعمة، في شكل مادة بوليمرية<br />
شديدة القوة تُسم َّى اللجنني، التي تُكسِ ب الخشب قوته املرنة القابلة للانثناء. تتكو َّن<br />
مادة اللجنني بطريقة تبدو كاملصادفة كيميائيٍّا، مستخدمة الأكسجني الحر في تكوين<br />
روابط متقاطعة قوية بني سلاسل من تلك املادة؛ مما يجعل من الصعب جدٍّا كسرها،<br />
ولهذا نجد الخشب قويٍّا جدٍّا ولا يتعط َّن إلا بعد وقت طويل جدٍّا. ولو أزلت اللجنني من<br />
الأشجار — وهي فكرة جر َّبَها بعض القائمني على صناعة الورق؛ إذ احتاجوا أن يزيلوه<br />
بصعوبة من لب الخشب لصنع الورق — فستسقط الأشجار على الأرض، غري قادرة على<br />
الحفاظ على كيانها كأشجار ولا تحتمل حتى أخف الأنسام.<br />
وهكذا، بغري الأكسجني لم تكن تُوجَد حيوانات ولا نباتات كبرية، ولا افتراس، ولا<br />
سماء زرقاء، وربما لم تكن تُوجَد محيطات أيضً ا، ومن املرجح ألا يكون على الأرض<br />
إلا التراب والبكترييا. لا ريب أن الأكسجني هو أثمن منتج ثانوي مهمل يمكن تخي ُّله في<br />
العالم، إلا أنه ليس مجرد منتج ثانوي وحسب، ولكنه أيضً ا يُعتبرَ غري مرجح النشوء.<br />
فمن املتصو َّر أن عملية البناء الضوئي كان من املمكن أن تنشأ هنا على الأرض، أو على<br />
كوكب املريخ أو أي مكان آخر في الكون دون إنتاج أي أكسجني حر على الإطلاق. وفي<br />
هذه الحالة، كانت <strong>الحياة</strong> — بصفة مؤكدة تقريبًا — ستنحصر في درجة تعقيدها عند<br />
86