ارتقاء الحياة

ارتقاء الحياة
تلك التي توز ِّع مواردها بالقسطاس.‏ وأكثر الأمثلة الدالة على ذلك شدة وتطرفًا تلك
الحيوانات التي لا تتكاثر سوى مرة واحدة ولا ترعى ذريتها مطلقًا،‏ مثل سمك الساملون
الباسيفيكي.‏ فلا يُفسر َّ نفوقها الجماعي الكارثي باعتباره برنامجًا للموت بقَدْر ما يُف َّسر
على أنه استثمار إجمالي للموارد في مشروع لحفظ النوع؛ أي التكاثر.‏ 5 فهي تهلك في
غضون أيام لأنها تخص ِّ ص كل مواردها للتزاوج،‏ وتسحب كل رصيدها من بند الصيانة
الجسدية.‏ ويتعني َّ على الحيوانات التي تتكاثر أكثر من مرة،‏ في مناسبات مختلفة،‏ أن
تخص ِّ ص قَدْرًا أقل من مواردها للتزاوج وقَدْرًا أكبر لصيانة أجسادها،‏ وعلى الحيوانات
التي تستثمر بكثافة في تربية ذريتها على مَر ِّ السنني،‏ مثل البشر،‏ أن تضبط هذا التوازن
أكثر وأكثر.‏ ولكن في جميع الحالات هناك خيار.‏ وهذا الخيار لدى الحيوانات يتم التحكم
فيه مِ‏ نْ‏ قِ‏ بَل هرمونات الإنسولني.‏
تعمل طفرات جينات العمر على إسكات هذه الجينات؛ إذ تعطل الإشارة الدالة على
الوفرة،‏ وبدلاً‏ منها تستثري الجينات املختصة بالصيانة الجسدية.‏ وحتى حينما يكون
الطعام وفريًا،‏ تخفق جينات العمر الطافرة في الاستجابة.‏ أولى املفارقات العديدة التي
يتسب َّب فيها هذا الأمر هو أن هذه الطفرات تقاوم الإشارة القوية الدالة على وجود
الإنسولني.‏ ومكمن املفارقة هنا هو أن مقاومة الجسم للإنسولني في البشر لا تُسب ِّب طول
العمر وإنما تُسب ِّب الداء السكري من النوع الثاني الذي يُصِ‏ يب الكبار.‏ واملشكلة أن
الإفراط في الأكل،‏ إذا أُضِ‏ يفَ‏ إليه وجود عزم فسيولوجي على اختزان املوارد الشحيحة
لأوقات أفضل،‏ يؤدي إلى زيادة الوزن والداء السكري والوفاة املبكرة.‏ ثاني املفارقات
أن العقوبة املفروضة مقابل إطالة الحياة،‏ وهي تأجيل إمكانية التزاوج،‏ تبقى مستمرة
بإصرار.‏ وهي تتجس َّ د في صورة انعدام في الخصوبة.‏ ومن ثم فليس مِ‏ نْ‏ قَبِيل املصادفة
أن ارتبط الداء السكري بانعدام الخصوبة.‏ فالداء السكري وانعدام الخصوبة ينتجان
عن التقل ُّب الهرموني ذاته.‏ ويمكن أن تؤد ِّي إعاقة الإنسولني إلى إطالة الحياة فقط إذا
بقينا جائعني معظم الوقت،‏ على أن يكون ثمن ذلك عدم إنجاب أطفال مطلقًا.‏
بالطبع نعلم هذا لعقود من الزمان،‏ وهذه هي املفارقة الثالثة.‏ ربما لا تعجبنا
هذه الحقيقة كثريًا،‏ ولكننا اكتشفنا منذ عشرينيات القرن العشرين أن الاعتدال في الأكل
والجوع املعتدل لفترات معتدلة يساعد على إطالة العمر.‏ وهذا ما يُسم َّى تقييد السعرات.‏
فلقد تبني َّ َ أن الفئران إذا تم َّتْ‏ تغذيتها بغذاء متوازن،‏ ولكنه يقل في سعراته بنسبة ٤٠
باملائة عن املعتاد،‏ تعيش مدة أطول بمقدار النصف من أقربائها التي تغذ َّتْ‏ جيدًا،‏ كما
326