ارتقاء الحياة

املوت
لا يمكن أن يسري الأمر على نحو مختلف.‏ فإذا اختل التوازن بني حياة الخلايا
وموتها،‏ فلن يكون الكائن أكثر استقرارًا من جدول مائي،‏ سواء في حالة فيضان أو
جفاف.‏ فإذا استطعت ضبط إعدادات ‏«املوت»‏ بحيث تقل ِّل احتمال موت الخلايا كثريًا،‏
فستكون النتيجة هي النمو السرطاني الخارج عن السيطرة.‏ وإذا زدت احتمال موت
الخلايا كثريًا،‏ فستكون النتيجة هي الشيخوخة السريعة.‏ إن السرطان والتنكس الخلوي
وجهان لعملة واحدة.‏ وكلاهما يهلكان حياة الكائنات عديدة الخلايا.‏ ولكن الهيدرا
البسيطة يمكنها أن تحفظ توازنها لأمد طويل جدٍّا،‏ ويستطيع البشر الحفاظ على نفس
الوزن والبنية عقودًا عدة بالرغم من استبدال مليارات الخلايا يوميٍّا.‏ ولا يُفقَد هذا التوازن
إلا حينما يشيخ املرء،‏ وحينئذٍ‏ نتعج َّب حينما نعاني من وجهي العملة في وقت واحد.‏
فالسرطان والأمراض التنكسية كلاهما يرتبط بالضرورة بالتقد ُّم في السن.‏ فلماذا إذن
تشيخ الكائنات الحية وتموت؟
إن أكثر الأفكار شيوعًا في هذا الصدد،‏ التي طرحها فايسمان في عقد الثمانينيات من
القرن التاسع عشر هي فكرة خطأ،‏ ولقد أدرك هو نفسه هذا الخطأ سريعًا.‏ فلقد افترض
فايسمان أصلاً‏ أن الشيخوخة واملوت يخلصان املجتمعات البشرية من العجائز املصابني
بالبلى والهرم،‏ ويستبدلان بهم نماذج جديدة نشطة من صغار السن والشباب مزو َّدة
بطاقم جديد من الجينات املختلطة بفضل التكاثر الجنسي.‏ هذه الفكرة تضفي على املوت
نوعً‏ ا من النبل والتناسق،‏ وتجعله يحدث في سبيل هدف أسمى،‏ حتى إن كان بالكاد هدفًا
دينيٍّا جليلاً‏ . من هذا املنظور يكون موت الفرد مفيدًا للنوع،‏ تمامًا مثلما يكون موت
بعض الخلايا مفيدًا للكائن الحي.‏ إلا أن هذا الافتراض يدور في دائرة مفرغة،‏ كما قال
منتقدو فايسمان؛ فالأشخاص املسنون لا يعانون البلى والهرم إلا إذا أُصِ‏ يبوا بالشيخوخة
في املقام الأول،‏ ومن ثم فإن فايسمان افترض مسبقًا وجود ما كان يحاول أن يُفَسر ِّ ه
من الأساس.‏ بقي السؤال كما هو:‏ ما الذي يجعل الأشخاص يُصابون بالبلى مع التقد ُّم
في السن،‏ حتى إذا كان املوت يفيد املجتمعات البشرية؟ ما الذي يجب فعله ملنع الغش
املتمثل في الأشخاص الذين ينجون من املوت مثل الخلايا السرطانية،‏ والذين ينجبون
املزيد من الذرية،‏ وكل ٌّ منهم مُزو َّد بنفس الجينات الأنانية؟ وما الذي يجب فعله لإيقاف
أي سرطان في املجتمعات البشرية؟
كان أول من قَد َّم الإجابة الداروينية هو بيتر مدو َّر في محاضرته الافتتاحية الشهرية
في كلية لندن الجامعية في عام ١٩٥٣. وكانت إجابته أن هناك احتمالية إحصائية ملوت
319