ارتقاء الحياة
40524903
40524903
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
<strong>ارتقاء</strong> <strong>الحياة</strong><br />
التوازن بني ثلاثة مكو ِّنات رئيسية: الألياف العضلية، والشعريات الدموية، وامليتوكوندريا.<br />
وباختصار نقول: إن الألياف العضلية تنقبض لتول ِّد القوة، والشعريات الدموية تمد<br />
بالأكسجني وتزيل النفايات، بينما تقوم امليتوكوندريا بحرق الطعام بالأكسجني لإنتاج<br />
الطاقة الضرورية للانقباض. واملشكلة أن كلاٍّ من هذه العناصر الثلاثة تشغل حجمًا<br />
مهمٍّا ومؤثرًا، وهكذا إذا زادت كمية الألياف العضلية قَل َّ الحجم املتاح للشعريات الدموية<br />
أو للميتوكوندريا. والعضلة املكد َّسة بالألياف تتمت َّع بقوة هائلة، ولكنها سرعان ما تفتقد<br />
الطاقة اللازمة للانقباض. إنه اختيار ذو عواقب واسعة النطاق؛ فإما قوة عالية مع<br />
درجة تحم ُّل ضعيفة، وإما قوة منخفضة مع درجة تحم ُّل عالية. ولْتُقارِنْ بني عد َّاء<br />
للمسافات القصرية ذي عضلات ضخمة، وبني عد َّاء للمسافات الطويلة أو املاراثون، ذي<br />
عضلات ضامرة، وستكتشف الفارق.<br />
إن لدينا جميعًا خليطًا من الأنماط العضلية، ويتفاوت هذا الخليط باختلاف الظروف<br />
والأحوال، وما إذا كن َّا، على سبيل املثال، نعيش بمستوى سطح البحر أو في أعالي الجبال.<br />
كما يمكن أن يُحق ِّق أسلوب املعيشة فارقًا كبريًا. فإذا تمرنت لتكون عد َّاء للمسافات<br />
القصرية فسوف تتكو َّن في جسمك عضلات ضخمة سريعة الانقباض فيها الكثري من<br />
القوة والقليل من درجة التحم ُّل. وإذا تمرنت لتكون عداء للمسافات الطويلة فسيحدث<br />
العكس. ولأن هذه الفروق تتفاوت بشكل طبيعي بني الأفراد والسلالات البشرية، فإنها<br />
تكون عرضة للانتقاء الطبيعي على مدى أجيال، إذا حت َّمَت الظروف ذلك. ولهذا السبب<br />
نَجِ د بني سكان نيبال وشرق أفريقيا وجبال الأنديز صفات وراثية كثرية مشتركة، وهي<br />
صفات جعلتهم يعتادون ويتأقلمون مع <strong>الحياة</strong> في املناطق املرتفعة. بينما تكون أوزان<br />
سكان املناطق املنخفضة أثقل وعضلاتهم أضخم.<br />
وفي بحث كلاسيكي أجراه عام ١٩٧٩ كل ٌّ من ألبرت بنيت وجون روبن اللذين كانا<br />
حينئذٍ بجامعة كاليفورنيا، بمدينة إرفني، يقول الباحثان إن تلك الفروق تكمن في أساس<br />
فكرة الدم الحار. لا يتعل َّق الأمر بدرجات الحرارة، بل يتعل َّق الفرق بني الكائنات ذوات<br />
الدم الحار وذوات الدم البارد بقابلية التحم ُّل أساسً ا. وتعرف فكرتهما بفرضية «القدرة<br />
الهوائية»، وحتى إذا لم تكن تلك الفرضية صحيحة تمامًا فإنها غري َّ َت الطريقة التي كان<br />
يفكر بها املهتمون بهذا املجال في <strong>الحياة</strong>.<br />
تنقسم فرضية القدرة الهوائية إلى افتراضني اثنني. أولهما أن الانتقاء الطبيعي غري<br />
معني ٍّ بدرجة الحرارة ولكن بزيادة النشاط الذي يكون مفيدًا بشكل مباشر في كثري من<br />
الأحوال. وكما قال بنيت وروبن أنفسهما:<br />
254