ارتقاء الحياة

الحركة
كان علماء الأحياء يعزون الكثري من أشكال البكترييا ‏(كالعصوية واللولبية والهلالية …
إلخ)‏ إلى الجدر الخلوية الصلبة التي تحيط بالخلية.‏ ومن ثم كانت مفاجأة في منتصف
التسعينيات من القرن العشرين أن يكتشف العلماء أن للبكترييا هيكلاً‏ داخليٍّا خلويٍّا
أيضً‏ ا،‏ وهو يتكون من ألياف رفيعة تبدو إلى حد بعيد مثل الأكتني والتيوبيولني،‏ وهي
ألياف تعرف اليوم أنها مسئولة عن الحفاظ على الأشكال البكتريية الأكثر تعقيدًا ‏(يؤدي
حدوث طفرات في الهيكل الخلوي إلى عودة تلك الأشكال البكتريية املعقدة إلى أشكالها
الكروية البسيطة).‏
وكما هو الحال بالنسبة للبروتينات الحركية،‏ لا يُوجَد سوى القليل من التماثل
الجيني بني البروتينات البكتريية والبروتينات حقيقية النوى.‏ إلا أن البنى ثلاثية الأبعاد
التي فُحصت باستخدام التصوير البلوري في حوالي بدايات الألفية الحالية كانت أكثر
إثارة للذهول حتى من البروتينات الحركية؛ فلقد وجد أن البنى البروتينية البكتريية
وحقيقية النوى تكاد تكون منطبقة بعضها على بعض.‏ فلها نفس الأشكال،‏ ونفس
الفراغات،‏ وقليل من نفس الأحماض الأمينية املهمة في نفس الأماكن.‏ فمن الواضح أن
هيكل الخلية حقيقية النواة نشأ من هيكل مشابه في البكترييا.‏ ومع حفظ الشكل تحفظ
الوظيفة؛ فكلاهما يؤدي دورًا بنيويٍّا واسعًا،‏ ولكن في كلتا الحالتني،‏ يكون هيكل الخلية
قادرًا على أداء أكثر من مجرد الدعم الاستاتيكي.‏ فهو ليس مثل هيكلنا العظمي الصلب،‏
بل هو ديناميكي،‏ يتغري ويُعاد تعديله بصفة مستمرة،‏ فهو غري ثابت بل يتحرك دائمًا
مثل سحب في يوم عاصف.‏ ويمكنه بذل القوة وتحريك الكروموسومات هنا وهناك،‏
وتقسيم الخلايا إلى نصفني أثناء التكاثر بالتضاعف،‏ ويمكنه في حالة الخلايا حقيقية
النوى — على الأقل — مد بروزات خلوية،‏ بدون مساعدة من أي من البروتينات الحركية
على الإطلاق.‏ وبمختصر القول،‏ يكون الهيكل الخلوي قابلاً‏ للحركة ذاتيٍّا.‏ فكيف يحدث
هذا؟
تتكو َّن شعريات كل ٍّ من الأكتني والتيوبيولني من وحدات بروتينية فرعية تترتب في سلاسل
طويلة،‏ أو بوليمرات.‏ وهذه القدرة على البلمرة ليست شيئًا غري عادي؛ فاملواد البلاستيكية
ما هي إلا بوليمرات تتركب من وحدات أساسية تتكرر في شكل سلاسل جزيئية مطو َّلة.‏
أما الأمر غري العادي املتعلق بالهيكل الخلوي فهو أن بنيته تخضع لتوازن ديناميكي؛
بمعنى أنه يُوجَد اتزان يتغري َّ باستمرار بني وحدات تُضاف ووحدات تُحذَف،‏ وبني
205