ارتقاء الحياة

ارتقاء الحياة
تفي الإنجاز حقه قالا فيها:‏ ‏«نعتقد أن نموذج الأزواج الذي افترضناه يمكن أن يكون
آلية نسخ ممكنة للمادة الوراثية.»‏
الدي إن إيه،‏ بالطبع،‏ هو أساس الجينات؛ إنه املادة الوراثية.‏ فهو يُحد ِّد الشفرة
الجينية للبشر والأميبا وعش الغراب والبكترييا وكل ما على الأرض من كائنات،‏ خلا قلة
من الفريوسات.‏ ولولبه املزدوج أيقونة علمية؛ إذ يلتف خَ‏ يْطاه أحدهما حول الآخر في
مطاردة لا نهاية لها.‏ أوضح واطسون وكريك كيف يُكمِ‏ ل كل ُّ خيطٍ‏ الآخرَ‏ على املستوى
الجزيئي.‏ وإذا فصلت بني الخيطني فسيعمل كل ٌّ منهما كقالب بهدف إعادة تشكيل
الخيط الثاني،‏ ومن ثم يتكو َّن لدينا لولبان جديدان مما كان من قبل لولبًا واحدًا.‏ وفي
كل مرة يتناسل فيها كائن حي،‏ فهو يمرر نسخة من الدي إن إيه الخاص به إلى ذريته.‏
وكل ما يحتاجه الأمر هو الفصل بني خيطَي الدي إن إيه لإنتاج نسختني مطابقتني من
الأصل.‏
مع أن الآلية الجزيئية املفصلة يمكن أن تصيب أي شخص بالصداع،‏ فإن املبدأ
نفسه بسيط على نحوٍ‏ جميل فت َّان؛ فالشفرة الجينية ما هي إلا تتابع من الأحرف ‏(أو
باملسمى الفني ‏«قواعد»).‏ ثمة أربعة أحرف في أبجدية الدي إن إيه؛ وهي:‏ A، وT‏،‏ وG‏،‏
وC‏.‏ وهي اختصار لكل ٍّ من الأدينني والثايمني والجوانني والسايتوسني،‏ لكننا لسنا بحاجة
إلى القلق بشأن التسميات الكيميائية.‏ فاملغزى هنا هو أنه لأن هذه القواعد محكومة بفعل
شكلها وبنية روابطها؛ يرتبط الأدينني بالثايمني فقط فيما يرتبط السايتوسني بالجوانني
فقط ‏(انظر الشكل 1-2). وإذا فصلت بني خيطَيِ‏ اللولب املزدوج،‏ فستنتصب من كل
خيط أطراف الأحرف غري املرتبطة.‏ وكل قاعدة أدينني مكشوفة لا يمكنها الارتباط إلا
بقاعدة ثايمني،‏ وكل قاعدة سايتوسني لا يمكنها الارتباط إلا بقاعدة جوانني،‏ وهكذا
دواليك.‏ تلك الأزواج القاعدية لا يكمل بعضها بعضً‏ ا وحسب،‏ بل إن بعضها — في
الواقع — ‏«يرغب»‏ في الارتباط ببعض؛ فهناك شيء واحد فقط من شأنه أن يُسْ‏ عِ‏ د الحياة
الكيميائية اململة لقاعدة الثايمني،‏ وهو الارتباط اللصيق بقاعدة أدينني.‏ وإذا جمعت
بني القاعدتني فستتمايل روابطهما في تناغم بهيج.‏ هذه هي الكيمياء الحقيقية:‏ علاقة
‏«انجذاب أساسية»‏ حقيقية.‏ وبهذا لا يكون الدي إن إيه مجرد قالب سلبي،‏ بل تمارس
كل خيوطه نوعً‏ ا من املغناطيسية كي تجذب القواعد املحببة إليها.‏ فإذا فصلت بني
الخيوط فستجد أنها تعاود التجمع تلقائيٍّا مجددًا،‏ وإذا حافظت على بعدها بعضها عن
بعض؛ فسيكون كل خيط قالبًا ذا حاجة ماسة للعثور على شريكه املثالي.‏
54