ارتقاء الحياة
40524903
40524903
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
<strong>ارتقاء</strong> <strong>الحياة</strong><br />
في سرعة دوران هذه الدائرة التأثري على كل شيء من الشيخوخة إلى السرطان إلى حالة<br />
الطاقة. لكن ما مَث َّلَ مفاجأةً أكبرَ هو أن دورة كربس يمكنها الدوران إلى الخلف. في املعتاد<br />
تستهلك الدورة الجزيئات العضوية (من الغذاء) وتطلق الهيدروجني (املُقد َّر له أن يحترق<br />
برفقة الأكسجني في عملية التنفس) وثاني أكسيد الكربون. وبهذا لا توفر الدورة املتطلبات<br />
الأساسية للمسارات الأيضية وحسب، بل إنها تنتج أيضً ا حزمًا صغرية من الهيدروجني<br />
املطلوب من أجل توليد الطاقة كثلاثي فوسفات الأدينوسني. حني تسري الدورة على نحوٍ<br />
معاكس ينقلب الأمر؛ إذ تمتص ُّ ثاني أكسيد الكربون والهيدروجني كي تكو ِّن نوعًا جديدًا<br />
من الجزيئات العضوية، وكلها الوحدات البنائية الأساسية للحياة. لكن بدلاً من إطلاق<br />
الطاقة مع دورانها، تستهلك الدورة العكسية ثلاثي فوسفات الأدينوسني. فإذا وفرت لها<br />
ثلاثي فوسفات الأدينوسني وثاني أكسيد الكربون والهيدروجني، تخرج الدورة الوحدات<br />
البنائية الأساسية للحياة، كما لو كان بفعل السحر.<br />
هذا الدوران املعاكس لدورة كربس ليس شائعًا حتى في البكترييا، لكنه شائع نسبيٍّا في<br />
البكترييا التي تعيش في الفوهات الحرمائية. إنها وسيلة مهمة، وإن كانت بدائية، لتحويل<br />
ثاني أكسيد الكربون إلى الوحدات البنائية للحياة. وقد عكف الكيميائي الحيوي البارز<br />
بجامعة ييل هارولد موروفيتس، الذي يعمل حاليٍّا بمعهد كراسنو للدراسات املتقدمة<br />
بفريفاكس، فريجينيا، على رصد خصائص دورة كربس العكسية عدة سنوات. وبصورة<br />
عامة تقضي النتيجة التي توص َّ لَ إليها بأنه في ظل تركيزات كافية من كل املكونات، ستدور<br />
الدورة من تلقاء نفسها. إنها عملية كيميائية بسيطة: إذا زاد تركيز أي وسيط؛ فسيميل إلى<br />
التحول إلى الوسيط التالي بالتبعية. والجزيئات العضوية املوجودة بدورة كربس هي أكثر<br />
الجزيئات العضوية املمكنة ثباتًا؛ ومن ثم هي الأكثر ترجيحًا في التكو ُّن. بعبارة أخرى،<br />
لم «تُخترع» دورة كربس بواسطة الجينات، بل هي مسألة كيمياء احتمالات وديناميكا<br />
حرارية. وحني تطورت الجينات، لاحقًا، أدارت هذه العملية الكيميائية التي كانت موجودة<br />
بالفعل، تمامًا مثلما يكون مايسترو الفرقة املوسيقية مسئولاً عن عملية تفسري القطعة<br />
املوسيقية — من حيث سرعة الإيقاع والوقفات الفرعية — لكن ليس املوسيقى نفسها.<br />
فاملوسيقى موجودة طوال الوقت؛ موسيقى كونية.<br />
بمجرد البدء في دورة كربس وتزويدها بمصدر للطاقة، تصري التفاعلات الجانبية<br />
أمرًا محتومًا، وتؤدي إلى ظهور متطلبات <strong>الحياة</strong> الأكثر تعقيدًا على غرار الأحماض الأمينية<br />
والنيوكليوتيدات. إن مسألة تحديد أي مقدار من عملية الأيض الجوهرية للحياة على<br />
44