ارتقاء الحياة

ارتقاء الحياة
وحسبما قال بنيت وروبن فإن سرعة الأيض القصوى املرتفعة ترفع إلى حد ٍّ ما سرعة
الأيض عند الراحة.‏ وبتعبري آخر:‏ فإن الكائن الثديي شديد النشاط الذي يتمت َّع بقَدْر
كبري من درجة التحم ُّل تكون لديه سرعة أيض مرتفعة بغري داعٍ؛ إذ يستمر في استنشاق
الكثري من الأكسجني حتى وهو راقد قد لا يفعل شيئًا على الإطلاق.‏ وقد بني َّ العاملان تلك
الحالة بشكل تجريبي،‏ وقالا:‏ أيٍّا كان السبب،‏ فإن سرعة الأيض القصوى لدى جميع
الحيوانات،‏ سواء أكانت من الثدييات أم الطيور أم الزواحف،‏ تميل لأن تكون أكبر بحوالي
عشرة أضعاف سرعة الأيض عند الراحة.‏ وهكذا فإن الانتقاء املؤيد لارتفاع سرعة الأيض
القصوى يرفع معه سرعة الأيض عند الراحة أيضً‏ ا.‏ فإذا ارتفعت سرعة الأيض القصوى
إلى عشرة أضعاف،‏ وهو الفارق املسجل بني الثدييات والعظايا،‏ فإن سرعة الأيض عند
الراحة ترتفع كذلك إلى عشرة أضعاف.‏ وعند ذلك املستوى يول ِّد الحيوان حرارة داخلية
كبرية،‏ وهو ما يجعله حيوانًا ‏«ذا دم حار».‏
هذه الفكرة تُثِري الارتياح في النفس،‏ وتبدو منطقية،‏ ولكن إذا فحصناها عن قرب
فسنجد من الصعب كثريًا أن ندرك السبب في ضرورة وجود ارتباط بني الأمرين.‏ فسرعة
الأيض القصوى تُعنى أساسً‏ ا بتوصيل الأكسجني إلى العضلات،‏ ولكن في حالة الراحة
لا تسهم العضلات في استهلاك الأكسجني إلا بالقليل.‏ وعلى العكس من هذا،‏ يلعب املخ
والأعضاء الحشوية — مثل الكبد والبنكرياس والكليتني والأمعاء … إلخ — الدورَ‏ الأكثر
أهمية.‏ وليس واضحًا تمامًا السبب في احتياج الكبد لاستهلاك الأكسجني بكميات كبرية
ملجرد أن العضلات تحتاج لذلك.‏ ومن املمكن على الأقل تخي ُّل حيوان تكون لديه قدرة
هوائية عالية جدٍّا وسرعة أيض عند الراحة منخفضة جدٍّا،‏ وسيكون هذا عظاءة زائدة
القوة،‏ تجمع بني أفضل ما في الأمرين.‏ وقد يكون هذا هو بالضبط ما كانت عليه
الديناصورات القديمة.‏ إنه لشيء مثري للإحراج في واقع الأمر أننا ما زلنا نجهل السبب
في أن سرعتَي الأيض القصوى وعند الراحة تَمِ‏ يلان للارتباط معًا في الحيوانات املعاصرة
من الثدييات والزواحف والطيور،‏ أو ما إذا كان هذا الارتباط يمكن كسره في بعض
الحيوانات.‏ 5 من املؤك َّد أن الثدييات شديدة النشاط جدٍّا،‏ مثل الظبي ذي القرن الشوكي،‏
تكون لديها قدرات هوائية عالية جدٍّا،‏ أعلى من سرعات الأيض لديها عند الراحة بحوالي
خمسة وستني ضعفًا؛ مما يُوحِ‏ ي بإمكان فَصْ‏ ل الارتباط بني الاثنني.‏ ونفس الشيء ينطبق
على قليل من الزواحف؛ فالتمساح الأمريكي ‏(القاطور)‏ على سبيل املثال،‏ لديه قدرة
هوائية تَفُوق سرعة الأيض لديه عند الراحة بما لا يقل عن أربعني مرة.‏
256