ارتقاء الحياة
40524903
40524903
You also want an ePaper? Increase the reach of your titles
YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.
دي إن إيه<br />
وهكذا بالرغم من الدقة املذهلة التي يُنسَ خ بها الدي إن إيه، تحدث تغيريات. فكل<br />
جيل مختلف عن سابقه، ليس فقط لأن الجينات تتمازج بفعل العملية الجنسية، بل<br />
أيضً ا لأننا جميعًا نحمل طفرات جديدة. العديد من هذه الطفرات طفرات «موضعية»<br />
كالتي تحد َّثْنا عنها؛ مجرد تغيري في حرف وحيد بالدي إن إيه، بَيْدَ أن بعضها أكثر<br />
عنفًا. تتضاعف كروموسومات بأكملها أو تفشل في الانفصال، تُحذف رقع كاملة من<br />
الدي إن إيه، تُدخل فريوسات أجزاءً من الدي إن إيه الخاص بها، تعكس أجزاء من<br />
الكروموسومات نفسها، ومن ثم تعكس تتابع أحرفها. الاحتمالات لا نهاية لها، ومع ذلك<br />
فإن أغلب التغريات نادرًا ما يكون لها علاقة بالبقاء على قيد <strong>الحياة</strong>. بالنظر إلى الجينوم<br />
على هذا النحو، يبدو وكأنه جحر هائج من الأفاعي، بينما كروموسوماته الأفعوانية<br />
تندمج وتنقسم على نحوٍ متواصلٍ دون كلل. والانتقاء الطبيعي، من خلال التخلص من<br />
كل هذه الوحوش عدا قلة قليلة منها، هو في الواقع قوة هادفة للاستقرار. فالدي إن إيه<br />
يتغري ويتحور، بينما الانتقاء الطبيعي يحافظ على استقامة الأمور. وأي تغريات إيجابية<br />
يُحافظ عليها، فيما تُجهض أي أخطاء أو تغريات خطرية، حرفيٍّا. أما عن الطفرات<br />
الأخرى، الأقل خطورة، فقد تكون مرتبطة بأمراض تظهر لاحقًا في مراحل متقدمة من<br />
<strong>الحياة</strong>.<br />
إن التتابع املتغري ِّ للأحرف داخل الدي إن إيه يقبع خلف كل ما نقرأ عنه تقريبًا في<br />
الصحف ويتعلق بجيناتنا. مثلاً البصمة الوراثية — املستخدمة في إثبات الأبوة أو اتهام<br />
الرؤساء أو إدانة املجرمني بعد عقود من ارتكابهم الجرائم — مبنية على الاختلافات في<br />
تتابعات الأحرف بني الأفراد. ولأن ثمة عددًا كبريًا للغاية من الاختلافات في الدي إن إيه،<br />
يكون لدى كل شخص منا «بصمة» وراثية خاصة به. وباملثل، تعتمد فُرَص إصابتنا<br />
بأمراض كثرية على اختلافات طفيفة في تتابعات الدي إن إيه. وفي املتوسط، يتباين البشر<br />
بمعدل حرف واحد كل ألف حرف أو نحو ذلك، ما يَصِ ل مجموعُه من ٦ إلى ١٠ ملايني<br />
اختلاف في الحروف الفردية في الجينوم البشري، واملعروفة باسم «الاختلافات الفردية<br />
متعددة الأشكال للنيوكليوتيد» يعني وجود هذه الاختلافات الفردية أننا جميعًا نحمل<br />
نسخً ا مختلفة اختلافًا طفيفًا من الجينات عَيْنِها. ومع أن أغلب هذه الاختلافات الفردية<br />
عديمة الأثر، فإن بعضها مرتبط إحصائيٍّا بأمراض على غرار الداء السكري وألزهايمر،<br />
وإن كانت الكيفية املحددة التي تفرض بها تأثرياتها كثريًا ما تكون غري مؤكدة.<br />
وبالرغم من هذه التغريات الفردية، فإنه لا يزال بمقدورنا الحديث عن «جينوم<br />
بشري» واحد؛ إذ إنه بغض ِّ النظر عن تلك التغريات فإن ٩٩٩ من كل ألف حرف لا تزال<br />
57