ارتقاء الحياة
40524903
40524903
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
<strong>ارتقاء</strong> <strong>الحياة</strong><br />
فهم تلك الحالات ومحاولة علاجها؛ فإن هذا سيكون إنكارًا للنعمة العظمى التي تُقد ِّرها<br />
الكنيسة أشد َّ تقدير.<br />
إن أول مشكلة تواجه أي حديث علمي عن موضوع الوعي هي التعريف؛ فهناك<br />
تعريفات عديدة للوعي. فإذا عر َّفنا الوعي بأنه إدراك «الذات» املنطمرة في العالَم —<br />
وهو إدراك ذاتي غني يعر ِّف الفرد في إطار املجتمع والثقافة والتاريخ، بما يحمل من<br />
آمال ومخاوف عن املستقبل، وكل هذا محجوب في ثنايا الرمزية الكثيفة التأملية للغة<br />
— تكون البشرية بالطبع شيئًا فريدًا. إن هناك فجوة كبرية بني البشر والحيوانات، فلا<br />
يمكن أن يحظى أي ٌّ من الحيوانات بشرف هذه الكلمة، أي الوعي، بل ولا حتى أسلافنا<br />
ولا صغارنا.<br />
ولعل َّ إعلاء شأن هذا املفهوم وَرَدَ في كتاب غريب، عنوانه «منشأ الوعي مع انهيار<br />
العقل الثنائي»، بقلم عالم النفس الأمريكي جوليان جاينس. وقد لخ َّ صَ الأمر قائلاً : «في<br />
فترةٍ ما كانت الطبيعة البشرية منقسمةً إلى عنصرين: عنصر مهيمن هو الرب، وعنصر<br />
تابع له هو الإنسان، ولم يكن أي ٌّ منهما مدركًا بشكل واعٍ.» ما يثري التعج ُّب أن جاينس<br />
حد َّد وقت حدوث هذا في زمن حديث للغاية في مرحلة ما بني تأليف ملحمتَي الإلياذة<br />
والأوديسة. (بطبيعة الحال، يزعم جاينس أن هاتني امللحمتني املختلفتني جدٍّا قد أل َّفَهما<br />
شاعران إغريقيان اثنان يحمل كل ٌّ منهما اسم هومريوس، ولكن تفصل بينهما مئات<br />
السنني.) النقطة املهمة هنا هي أن الوعي في نظر جاينس هو بنية اجتماعية ولغوية<br />
خالصة، وأنه شيء حديث نسبيٍّا، وأن العقل يكون واعيًا فقط حينما يصري «مدركًا» أنه<br />
واعٍ. يمكن تقب ُّل رأي جاينس دون بأس، ولكن أي رأي يبالغ في تقدير الأمور لدرجة أنه<br />
يستبعد مؤلف ملحمة الإلياذة من دائرة الوعي لا بد أن نعتبره رأيًا متطرفًا. فإذا لم يكن<br />
هومريوس الأول واعيًا، فهل كان مجرد زومبي غري واعٍ؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فلا بد<br />
أن هناك صورًا ودرجات من الوعي، وتكون الصورة الأعلى منها هي الإدراك الذاتي، أو<br />
إدراك الذات بوصفها عضوًا حرٍّا ومثقفًا في املجتمع، وتكون بقية الصور أدنى منها.<br />
أغلب علماء الأعصاب يضعون فارقًا بني صورتني من الوعي، لدى كل ٍّ منهما جذور<br />
في بنية املخ. تختلف املصطلحات والتعاريف، ولكن يمكننا القول بصفة أساسية إن<br />
مصطلح «الوعي املمتد» يشري إلى الأمجاد الكبرية للعقل البشري، التي ما كانت لتحدث<br />
لولا عوامل اللغة واملجتمع … إلخ، أما الوعي «الأولي» أو «املركزي» فهو أكثر حيوانية في<br />
طبيعته تمامًا؛ إذ يتعل َّق بالعواطف والدوافع والألم، وهو إحساس بدائي بالنفس ينقصه<br />
282