ارتقاء الحياة
40524903
40524903
You also want an ePaper? Increase the reach of your titles
YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.
<strong>ارتقاء</strong> <strong>الحياة</strong><br />
جاءنا أول دلائل الإجابة عن هذا السؤال في أوائل سبعينيات القرن العشرين، حني رُصِ دَتْ<br />
تيارات صاعدة من املاء الدافئ على امتداد أخدود جالاباجوس، على مقربة من جزر<br />
جالاباجوس. وعلى نحو ملائم، فإن الجزر التي أوحى تنو ُّع الكائنات بها إلى داروين<br />
بأصل الأنواع قدمت لنا الآن دليلاً مهمٍّا على أصل <strong>الحياة</strong> نفسها.<br />
لم يحدث الكثري لبضع سنوات. ثم في عام ١٩٧٧، بعد هبوط نيل أرمسترونج على<br />
القمر بثماني سنوات، هبطت الغواصة البحرية الأمريكية «ألفني» في الأخدود، باحثة عن<br />
الفوهات الحرمائية التي يُفترَض أن تيارات املاء الدافئ انبعثت منها، وبالفعل وجدت<br />
هذه الفوهات. لكن مع أن وجود هذه الفوهات لم يكن بالأمر املفاجئ، جاء تنوع <strong>الحياة</strong><br />
الشديد في الأعماق املظلمة لهذا الأخدود بمنزلة صدمة حقيقية. فهناك كانت تُوجَد الديدان<br />
الأنبوبية العملاقة، التي يصل طول بعضها إلى ثماني أقدام، بجوار املحار الصدفي وبلح<br />
البحر الذي يصل في حجمه إلى أطباق الطعام. وإذا لم يكن وجود هذه الكائنات العملاقة<br />
في أعماق املحيط بالأمر غري املعتاد — فقط فك ِّرْ في شكل الحبار العملاق — فإن وفرتها<br />
في حد ذاتها كانت أمرًا مذهلاً . كانت كثافة هذه الكائنات في الفوهات البحرية العميقة<br />
تضاهي كثافة الكائنات في الغابات املطرية أو الشعاب املرجانية، مع أن مصدر طاقتها<br />
الوحيد هو انبعاثات الفوهات الحرمائية وليس الشمس.<br />
ربما كانت أكثر الأمور إثارة هي الفوهات نفسها، التي سريعًا ما صارت تُدعَى باسم<br />
«املداخن السوداء» (انظر الشكل 1-1). وقد تبني َّ أن فوهات أخدود جالاباجوس أعدادها<br />
متواضعة مقارنة ببعض حقول الفوهات الأخرى التي يصل فيها عدد الفوهات إلى ٢٠٠<br />
فوهة، واملتناثرة على امتداد أخاديد املحيط الهادئ والأطلسي والهندي. تضخ ُّ تلك الفوهات<br />
املتداعية، التي يصل ارتفاع بعضها لارتفاع ناطحات السحاب، كتلاً من الدخان الأسود في<br />
مياه املحيطات السابقة. ليس هذا الدخان دخانًا حقيقيٍّا، بل كبريتيد معدني محترق يغزو<br />
مياه املحيطات بعد أن يصعد من الصهارة املتقدة بالأسفل، وهو حمضي كالخل، وتصل<br />
حرارته إلى ٤٠٠ درجة مئوية تحت الضغط الساحق لأعماق املحيطات قبل أن يتسرب إلى<br />
املياه الباردة. الفوهات نفسها تتألف من أملاح معدنية كبريتية على غرار برييت الحديد<br />
(الذي يُعرَف باسم «ذهب الحمقى»)، التي تستقر بعد انبعاثها من الفوهات وتتراكم في<br />
ترسيبات سميكة على مساحات واسعة. تنمو بعض الفوهات بمعدلات مذهلة، بما يصل<br />
إلى ثلاثني سنتيمترًا في اليوم الواحد، ويمكنها أن ترتفع إلى نحو ستني مترًا قبل أن تتحطم.<br />
بدا هذا العالم العجيب املنعزل أشبه بالجحيم، وكان يمتلئ باملداخن السوداء التي<br />
ينبعث منها الكبريت وغاز كبريتيد الهيدروجني ذو الرائحة الخبيثة. بالقطع لم يكن<br />
32