إغواء العقل الباطن
27926268
27926268
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
<strong>إغواء</strong> <strong>العقل</strong> <strong>الباطن</strong><br />
كل ما يُعرض علينا على الإنترنت وفي الجرائد واملجلات والإذاعة والسينما، ناهيك بكل<br />
املواد الأخرى التي ذكرناها في الفصل السابق.<br />
ملاذا يحدث ذلك؟ ملاذا نَجمَع كل هذه الأشياء في عقولنا؟ من السهولة بمكان تفسري<br />
ذلك انطلاقًا من وجهة نظر أنثروبولوجية. لنتأمل املوقف التالي.<br />
تخيل أنك حيوان ثديي تجوب الغابة منذ ٢٠ مليون سنة، ليس لديك عقل يتمتع<br />
بقدرة كبرية على التفكري، لكن لديك بعض الحواس القوية، ولديك قوًى إدراكية جيدة<br />
على نحو استثنائي مثل الشم والسمع، وربما كذلك قدْرة جيدة على الإبصار بالدرجة<br />
نفسها. لكن هذه القدرات لا تكون ذات فائدة إلا َّ إذا كان لديك معانٍ للأمور املتنو ِّعة<br />
التي تسمعها وتشم ُّها وتراها. على سبيل املثال، تحتاج إلى أن تكون قادرًا على التمييز<br />
بني الخطوة الهادئة ملخلوق صغري يمكنك أن تَحظَى به كوجبة غَدَاء، والخطوة الهادئة<br />
ملخلوق كبري ربما يُراقِ بك لتكون أنتَ وجبةَ غَدَاء له. من املفيد أيضً ا أن تعرف إنْ كان<br />
هذا املخلوق الكبري عدوانيٍّا أم مجرد حيوان بدينٍ وكسول.<br />
يتطلب ذلك كله وضْ ع عدد من املفاهيم والتصورات، فأنتَ تحتاج إلى القدْرة على<br />
الشعور الفوري بالفرق بني الغضب والعصبية والخوف؛ لأن ذلك سوف يُنبِئك إنْ كان<br />
عليك الجري أو الاختباء أو الهجوم. إن هذه الثدييات التي طُو ِّرتْ لديها هذه املشاعر<br />
الغريزية الأساسية التي جعلتْها وثيقة الصلة بنُظُم اتخاذ القرار لديها هي التي ستبقى<br />
وتعيش، أما البقية فإنها ستنقرض.<br />
وافترض أنك بعد بضعة ملايني من السنوات تتطور إلى إنسان بدائي وتتطور لديك<br />
القدرة على التفكري املنطقي، لكن املشاعر الغريزية لا تزال هناك في عقلك الثديي، مرتبطة<br />
عن كثب بنظم قرارك. إن قابلية تأث ُّرنا بالتواصل العاطفي تُعتبر جزءًا من الكيفية التي<br />
تطو َّرنا بها ولا يمكننا فعل أي شيء حِ يَالَها.<br />
لنفترض أننا تمك َّن َّا من تعديل جيناتنا بحيث لا تكون لدينا مثل هذه املشاعر؛<br />
سنكون مثل السيد سبوك من ستار تريك، وسيكون كل قرار منطقيٍّا، ولن نكون ضعفاء<br />
أمام التأثري اللاواعي لجميع املؤث ِّرات العاطفية في الإعلان. حسنًا، لن نكون قادرين أيضً ا<br />
على البكاء عندما نُشاهِ د فيلما حزينًا، لكن لا توجد مشكلة حقيقة في ذلك. كما أننا<br />
لن نكون قادرين على أن نحب، وهو الأمر الذي يعني أننا سنكون أقل ميلاً لأن يكون<br />
لدينا أطفال، وحتى إن كان لدينا أطفال فإننا لن نشعر بالارتباط العاطفي الذي يجعلنا<br />
246