إغواء العقل الباطن
27926268
27926268
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
أفكار بديلة<br />
املنتجات والخدمات. وهكذا، فإنه قد ينشأ لدينا اعتقاد مثلاً عن طريق الإعلان بأن<br />
سيارة فرياري الرياضية يمكن أن تنطلق بسرعة ١٦٣ ميلاً في الساعة، أو أن مسحوق<br />
الغسيل «بولد» يغسل أكثر بياضً ا من غريه.<br />
تكمن الإشكالية هنا في أننا لا نشتري بدافع تلك املعتقدات؛ لأن املعتقدات لا تلب ِّي<br />
احتياجاتنا، فنحن لا نشتري سيارة فرياري لأن سرعتها ١٦٣ ميلاً في الساعة، بل<br />
نشتريها لأننا بحاجة إلى سيارة مُثِرية تكون مثار إعجاب الفتيات أو الجريان. ونحن<br />
لا نشتري املسحوق بولد لأنه يغسل أكثر بياضً ا؛ بل نشتريه لأننا بحاجة إلى أن تَظهَر<br />
ملابسنا نظيفة، وتلك الأفكار الشخصية ذات الصلة بالرغبات والحاجات هي ما نسميه<br />
بالتوجهات. املهم هنا أن نعرف أن الإعلان لا يؤثر علينا عن طريق تغيري املعتقدات، بل<br />
يكمن تأثريه في قدرته على تغيري توجهاتنا.<br />
فما قصده مالوني هو أن املعتقدات قد تغري ِّ توجهات الناس، حتى لو كانوا لا<br />
يؤمنون بها، كل ُّ ما عليك هو أن تفك ِّر في تَبِعات ذلك. يبدو الرأي القائل بأن الإعلان<br />
يمكن أن يؤثر حتى من دون الحاجة إلى تصديقه رأيًا ساذجًا، ولكن إذا لم تكن فعالية<br />
رسالة الإعلان تتأثر بعدم تصديق الناس لها، فإن هذا يعني أن عنصر «الاقتناع» في<br />
نموذج (الانتباه، الاهتمام، الاقتناع، الاستجابة) لا معنى له، أليس كذلك؟ ومِن ثَم َّ فإن<br />
انتفاء «الاقتناع» يعني انتفاء النموذج وعدم صحته، وهذا يعني أيضً ا أن الإعلان يمثل<br />
شيئًا أكبر من مجرد كونه «فنٍّا من فنون البيع».<br />
بعد عامني من مقال مالوني، قد َّم جاك هاسكينز أدلةً أكثر إثارة للجدل على قصور<br />
فكرة أن الإعلان فن من فنون البيع؛ حيث اكتشف هاسكينز، مدير الأبحاث في شركة<br />
فورد، أن الرسائل «الواقعية – <strong>العقل</strong>انية – املنطقية» كانت «أقل َّ» فعالية في تغيري<br />
التوجهات مقارنةً بالرسائل العاطفية أو غري الواقعية. كما وجد أيضً ا أن «مقاييس<br />
التذكر وانطباع الإعلان في الذهن تبدو، في أحسن الأحوال، غري ذات صلة في تغيري التوجه<br />
والسلوك» (هاسكينز، ١٩٦٤). وبعبارة أخرى، فإن الرسائل <strong>العقل</strong>انية لا تكون من تلقاء<br />
نفسها على قدْر كبري من التأثري، ولا أهمية لتذكر تلك الرسالة الإعلانية من الأساس. هذا<br />
يشبه إلى حد كبري القول: «لا أهمية ملا يقوله البائع، املهم هو مظهره.» وهذا، كما سنرى،<br />
أقرب كثريًا إلى الحقيقة من أي رأي آخر في تلك الأيام.<br />
إلا أن مالوني وهاسكينز لم يحق ِّقا نجاحًا في تحدي النموذج الذي يؤمن بإثارة<br />
الانتباه، ولكن ما هي إلا ٣ أعوام حتى بدأت موجة هجوم أكثر جدية، وكانت هذه املرة<br />
من هربرت كروجمان، وهو عالم نفس آخر.<br />
45